سوريا- الدولة تنهض من الرماد وتواجه تحديات استعادة السيادة.

المؤلف: رامي الخليفة العلي08.27.2025
سوريا- الدولة تنهض من الرماد وتواجه تحديات استعادة السيادة.

تشهد الساحة الإقليمية والدولية تحولات متسارعة ومذهلة، تجعل من الصعب على غير المتمعنين في التاريخ والمحللين لمسارات القوى إدراك حجم التغيرات الجارية. الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة ما هي إلا دليل قاطع على زيف الادعاءات التي روجت لها جماعات العنف والتنظيمات الموازية للدولة لعقود. اللافت في المشهد هو تكراره في سوريا، حيث تنهض الدولة من جديد، وإن كانت ببطء، ولكن بعزم، لتؤكد حقيقة دامغة: لا مجال إلا لدولة واحدة، بجيش موحد وسلطة مركزية. لقد كان تعدد مصادر السلاح ونفوذ الميليشيات على مدى عقود طويلة سببًا في تدمير البنية التحتية، وتهديد السلام المجتمعي، وتقويض دور الدولة التاريخي. ففي ظل وجود جماعات مسلحة متنافسة، تغيب العدالة، وينهار القانون، وتتحول البلاد إلى رقعة دموية تتحكم فيها الشهوة للسلطة ومنطق العصابات. الإرادة الدولية التي بدأت تتشكل بعد التطورات الهامة التي حدثت في السابع من أكتوبر، تؤكد أن أمن المنطقة والعالم لا يتحقق إلا بوجود دول قوية تحتكر استخدام العنف المشروع. هذا يعكس تحولاً جذريًا في الوعي السياسي العالمي، بعد أن ثبت أن دعم الجماعات الخارجة عن القانون لا يجلب سوى الفوضى، ويقوض الأمن الإقليمي والدولي بشكل خطير. ومع ذلك، لا يزال بعض الأطراف في سوريا يتمسكون بفكرة наив مفادها أن النظام في دمشق يمكن إسقاطه بسهولة، وأن هناك قوى دولية مستعدة للتدخل العسكري المباشر للإطاحة بالشرعية. هذا التصور قاصر، ولا يواكب المشهد الدولي المتغير، ولا يدرك حجم التحولات التي طرأت على حسابات القوى الفاعلة على الساحة الدولية. هذا التحول ليس مجرد نزوة عابرة أو تكتيك مؤقت في لعبة الأمم، بل هو اتجاه استراتيجي ستعززه الاتفاقيات والتحالفات المستقبلية، وسيكون الفيصل فيه هو قدرة الدولة على بسط سيادتها الكاملة دون منازع مسلح. في هذا السياق، تصبح الأحداث الجارية في سوريا اليوم اختبارًا حقيقيًا لهذا التحول الدولي. تواجه دمشق تحديات جمة في استعادة سلطتها على كامل أراضيها، وإعادة بناء مؤسساتها لتكون قادرة على تطبيق القانون وحماية حقوق مواطنيها دون استثناء أو تمييز. يزيد من تعقيد المشهد السوري أن القوى التي كانت تعتمد على السلاح خارج إطار الدولة تجد نفسها اليوم معزولة إقليميًا ودوليًا، بعد أن تخلت عنها القوى التي استخدمتها كأدوات لتحقيق مصالحها الآنية. إن صراع الدولة مع هذه الميليشيات لم يعد مجرد صراع محلي، بل هو جزء من معركة أوسع لاستعادة هيبة الدولة في المنطقة بأسرها. ليس أمام سوريا اليوم سوى أن تحسم خياراتها، وأن تختار بين أن تكون دولة لجميع أبنائها، أو أن تستسلم للفوضى المستمرة. الأحداث في السويداء تشير بوضوح إلى أن دمشق قد اتخذت قرارها. الدولة وحدها هي القادرة على استعادة الأمن والاستقرار، وضمان المساواة والعدالة للجميع، بينما الفوضى لا تجلب سوى الخراب والدمار. لقد حان الوقت ليكتب السوريون تاريخهم الجديد بأيديهم، وأن ينتصروا لدولتهم، لأنها وحدها القادرة على إنقاذهم من الفوضى والانهيار المدمر.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة